* تناسب الألفاظ في القرآن:
فترى تناسبًا للفظ مع المعنى عجيبًا في التهديد والوعيد – مثل سورة المدثر (11 – 30) والمزمل (11 – 19) وغير ذلك - أو الترغيب – مثل النور (22) والصف ( 10 – 13) – أو العتاب أو غير ذلك، بحيث لا يمكن أن تحل لفظًا مكان آخر مهما صغر الاختلاف، "فالنعمة" ليست "نعيما"، والعكس بالعكس، و"الوالد" لا تضع بدلًا منه "أبًا " أو العكس، وكذلك لفظ "امرأة" فلان لا يكون "زوجة"، ولفظ "استخرج" لا يكون أخرج - مثل سورة يوسف: { ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ } [ يوسف: 76 ]. إذ أن يوسف أراد أن يَحْبُك الخدعة فلم تكن السقاية إلا في قاع وعاء بنيامين ليوحي بقصد الإخفاء، وكلمة "استخرج" تدل على صعوبة الإخراج -، كذلك { اسْتَطَاعُوا } و{ اسْطَاعُوا } [ الكهف: 97 ] فالطول في بنية الكلمة يزيد في المعنى. [ للاستزادة في هذا الباب ننصح بالرجوع إلى كتاب: " معجم الفروق الدلالية في القرآن الكريم " للدكتور / محمد محمد داود – دار غريب للنشر ].
* اختلاف النظم في العبارات ذات المعنى الواحد:
كذلك هناك اختلاف للنظم في العبارات ذات المعنى الواحد، مثل قوله تعالى: { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } [ الأنعام: 151 ]، وقوله تعالى: { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ } [ الإسراء: 31 ].ففي الحالة الأولى كان الفقر واقعًا فعلًا فكان مناسبًا أن يبدأ بالآباء، أما في الحالة الثانية فكان الفقر لم يقع بعد ويخشى أن يقع مع وجود الولد، فكان مناسبًا أن يبدأ بالأولاد ثم الآباء.
ومثل قوله تعالى: {.. وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ إبراهيم: 34 ]، وقوله تعالى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } [ النحل: 18 ]؛ فالسورة الأولى – سورة إبراهيم – موضوعها " كفر الإنسان بنعمة الله " فكان مناسبًا أن يكون التعقيب - الفاصلة – عن كفر الإنسان، أما السورة الثانية – سورة النحل – فموضوعها " تعدد نعمة الله على الإنسان " فكان مناسبًا أن يعقب بقوله: { إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } أي أنه تعالى سيغفر لكم عدم إحصائكم لها، لكثرتها.
وعلى ذلك فقس كل القرآن، أما الأشد عجبًا فتحدي النظم القرآني بالحرف لا الكلمة فحسب.
* تحدي القرآن بالكلمة:
فنقرأ في سورة الزمر: { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [ الزمر: 71 ]، وقوله تعالى: { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [ الزمر: 73 ]، فالواو لا يمكن أن تضاف إلى الحالة الأولى، كما أنها لا يمكن أن تحذف من الثانية، لأنك في الحالة الأولى تشعر أن المولى عز وجل قد أضاف للكافرين – علاوة على جهنم – عذاب الفجأة، أما في الحالة الثانية فالواو تشعر بالإعداد وعدم الفجأة – وهو ما يتوافق مع فقرات أخرى من القرآن تدل على هذا المعنى -.